Thursday, January 25, 2007

ليك شوق في حاجة



أبو عمر

بقلم: إبراهيم عيسى

أصعب ما فى الكتابة الساخرة أنها سهلة
تغرى وتغوى وتكثر وتتكاثر ولكن الكاتب الساخر الحقيقى لا تجده ببساطة ولاتعثر عليه كثيرا ، تتعثر فى أقلام تكعبلك على أنها ساخرة ولكن الشيئ الوحيد الذى ينتمى للسخرية فيها هو ثقل ظلها ، ولذلك أنا فرحان بمحمد فتحى فهو كاتب ساخر من معدن نفيس ومن فئة نفيسة (ونعيمة) فأول شرط للكاتب الساخر أن يكون مهموما !
فالهموم تصنع الاهتمامات والاهتمامات تصوغ الوعى ..
ثم شرط الكتابة الساخرة أن تكتب لا أن تُلقى فهى ليست سخرية سمعية ولا تنتمى للإلقاء فليس كل ما تقوله فيضحك الناس يمكن أن تكتبه فيفعل ذات الآثر
شرط آخر ألا يكون الكاتب مدركا لخفة ظله بل يظل طول الوقت يتهم نفسه بأنه سم ، فبمجرد أن يشعر الكاتب أن دمه خفيف تقل فورا ! تقل فى التفكير ولياقة اللفظة وإيقاع الجملة !
كراسة شروط الكتابة الساخرة طويلة لكن أهم مافيها أن الكاتب الساخر لا يجلس أمام جهاز الكومبيوتر ليكتب مقالا ساخرا بل ليكتب ما يحسه ويشعر به ودايس على قلبه ويطلع اللى يطلع !
ومحمد فتحى كاتب تنطبق عليه كل هذه الشروط ويمكن أن يدخل أى مناقصة إبداع وهو مطمئن لكن تتوفر فى هذا الكاتب الشاب جينات ليست لدى الكثيرين ممن يظنون بأنفسهم ظنا حسنا ، تتوفر فيه الشجاعة ، فالكاتب الساخر واحد من إثنين إما كاتب يخشى من أن يأخذه أحد على محمل الجد فيهزر أوكاتب يتعامل بجدية شديدة مع سخريته فهو يسخر منهم حكاما ومسئولين كما يسخرون منا ، هم يسخرون بأن يستخفوا بشعوبهم ونحن نسخر منهم بأن نعلق على أصنامهم فأس سيدنا إبراهيم وورينا شطارتكم
محمد فتحى شجاع تلك الشجاعة التى يفضل البعض وصفها بالحماقة !
السخرية سلاح والتهكم موقف والتنكيت نظرية وعند محمد فتحى كل هذا فى عبوة من حجم عائلى (هو وعمر إبنه )
أنا منحاز لهذا الكاتب وفخور به وقد يكون مهما لمحمد فتحى ان تحبوا هذا الكتاب أو تسعدوا به ولكنه أمر (معلهش يامحمد ) لا يهمنى حتى القلق ، الذى يهمنى جدا أن تشتروه
!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الكتاب متوافر في دار ليلى للنشر بسراي 4 وسراي كندا داخل معرض القاهرة الدولي للكتاب بدءاً من 30 يناير

Friday, January 12, 2007

إمسك لحية


الحكاية يرويها البعض على إنها نكتة بينما يقسم البعض الآخر على إنها حقيقة وأنها حدثت أمامهم وشافوها بأم أعينهم وبأبوها كمان، مما صور لي أن الناس تتكلم عن حقيقة أو عن أسطورة ما يؤمنون بها.. والحكاية تبدأ كالتالي:
" واحنا راجعين من مش عارف فين (سفر يعني) قابلتنا لجنة وراح الضابط مخلي الأمين ينزل كل الناس من العربية/الميكروباص/ الأتوبيس/ البيجو، وقبل أن يبدأ في تفتيشهم جميعًا بعد حبة ألفاظ من اللي قلبك يحبهم لمح شاب ملتحي.. وساعتها الضابط ضحك وقال: سيبكم منهم.. هاتولي أبو دقن" القصة إلى الآن عادية ونراها جميعًا لكن عم الملتحي جعل منها قصة لا تنسى حين أطلق سبة على اليوم المنيل اللي من أوله قبل أن يسب الدين للبلد.. وعلى الفور قال له الضابط: "لأ.. خلاص.. ارجع.. مش أنت اللي عاوزينك"..
بالطبع سمعتُ هذه القصة بصيغة أو بأخرى، وبالطبع تصدقها تمامًا مثل العبد لله، لكن المؤلم فيها هو كم الانحطاط الذي وصلنا إليه، وهو ما يظهر من مدلولاتها التي لا تخفى على شخص زي حضرتك نفترض فيه الذكاء.
القصة وما فيها تبدأ من أيام (عبد الناصر) عندما اصطدم بالإخوان المسلمين وأدخلهم السجون والمعتقلات التي تم تعذيبهم فيها –مثل غيرهم- عذابًا شديدًا.. وفي كلاسيكيات أدب السجون والتراجم والسير الذاتية للمناضلين المصريين الذين تم اعتقالهم في تلك الحقبة تجد حكاية شهيرة تقول أن (الصول) مش عارف مين أو الضابط فلان الفلاني كان يجبر الكوادر الإسلامية المعتقلة على قراءة الفاتحة بالمقلوب أو الصلاة بدون وضوء أو تمجيد (عبد الناصر) وتقديسه والتسبيح بحمده أكثر من الله عز وجل، ومعظم الكوادر وقتها كانت تربي ذقنها ومطلقة للحية.
وفي أيام الرئيس المؤمن (أنور السادات)، ونظرًا لطرد الخبراء الروس قبيل حرب أكتوبر حاول (السادات) إجراء تحالفات مع الجماعات الإسلامية المختلفة لضرب الشيوعيين وأهل اليسار والماركسيين.. وانتشرت الجلاليب البيضاء في الشوارع وأصبح التليفزيون ينوه عن الصلوات الخمس ويرفع الآذان في قنواته المختلفة، كما ركز أيضًا على نقل شعائر صلاة الجمعة التي يؤديها السادات ترسيخًا لمبدأ الرئيس المؤمن، وحتى حادثة الفتنة الطائفية التي حدثت في أواخر عهده وحاول التهوين منها فأطلق عليها "خناقة عادية بسبب نشر الغسيل"، وشهدت فترة (السادات) هذه صعودًا متناميًا للتيارات الدينية المختلفة بما فيها التيارات المتطرفة، واكبه سيطرة أغلب هذه التيارات على انتخابات النقابات واتحادات طلاب الجامعات لتصبح اللحية هي شعار الفترة، وليعطي السادات فرصة للمارد للخروج من القمقم على حد وصف (هيكل) في (خريف الغضب)..
لكن لأن الرياح لا تأتي دائمًا بما تشتهي السفن، فقد انقلب السحر على الساحر واغتالت الجماعات الإسلامية (السادات) لتبدأ مرحلة جديدة من الصراع تم تشبيه كل أصحاب اللحى فيها بالإرهابيين والمارقين والمتطرفين، وصارت اللحية رمزًا للتعصب والتزمت الديني وهو ما ركز عليه أيضًا الإعلام.. ومع عدد من الفتاوى المتطرفة والأحداث الأكثر تطرفًا والتي نفذها ملتحون؛ زاد ذلك من ترسيخ الصورة الذهنية التي طالما حاول الإعلام تثبيتها في الأذهان عقب اغتيال السادات.. والبركة في (بن لادن) و(الظواهري) ومن قبلهم، وكل الذين نفذوا العمليات الإرهابية في مصر وغيرها من دول العالم.. واستغل شخص مثل (مبارك) ذعر العالم من اللحية جيدًا؛ إذ كان يواجه كل من يطلبون منه الإصلاح وإجراء انتخابات حرة ديمقراطية ويهددهم قائلاً: "يعني نجيبلكم الإسلاميين؟".. وهو ما كان كفيلاً بتراجعهم عن مواقفهم أحيانًا.. وفي أحيان أخرى كانوا يصرون عليها مثلما حدث في الانتخابات الأخيرة فاكتسح (الإخوان) المرحلة الأولى منها بنجاح ساحق.. وحين كنا في زيارة للأستاذ (هيكل) مع الزملاء والأساتذة الأفاضل في جريدة (الدستور) أكد (هيكل) على هذا المعنى وقال إن (شارون) اتصل بالرئيس (بوش) بعد المرحلة الأولى؛ مذعورًا من فوز (الإخوان) وهدده بأن الأمر قد يصبح غاية في السوء لأن (الإخوان) من الممكن أن يتصلوا بحركة (حماس) ويتعاونوا مع (حزب الله) ومع النظام الإيراني، لتكون هناك قوة إسلامية لا يستطيع أحد إيقافها مما جعل (بوش) يتدخل، وكان ما حدث في المرحلتين الثانية والثالثة من الانتخابات.
لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد خاصة عندما اقترنت اللحية بالتدين في كثير من الأحيان، وهو ما جعل الأمن يضع كل أصحاب اللحية في سلة واحدة، باعتبار أن التدين هو الآخر أولى مظاهر الإرهاب -من وجهة نظرهم- وهو ما يجعل أمن الدولة يعتقل أول ما يعتقل أصحاب اللحى الذين يترددون على المساجد بانتظام ويحضرون دروس العلم ويواظبون عليها.. وإذا حدث عكس ذلك -مثلما حدث مع الملتحي اللي في أول الموضوع- استراح الأمن لأن من يسب الدين بالنسبة لهم شخص سوي وطبيعي ولا يمكن أن ينتمي أبدًا للتيارات الإسلامية.. ليصبح شعار أمن الدولة بعد كل حادثة إرهابية أو طائفية هو "امسك لحية"، ويصبح الملتحي هو المشتبه به الأول وكبش الفداء المثالي الذي تحول في نظر
الناس بفضل إعلام مضلل وزائف إلى بعبع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من كتاب "ليك شوق في حاجة"..يصدر في معرض الكتاب 2007 عن دار ليلى للنشر و الإعلان