Tuesday, June 30, 2009

أن تكون أنا



حاولت أن أتعلم ركوب العجل ولم أستطع.
كنت أحاول أن ألهو مع زملائي . أن أقوم بتأجير العجل في العيد . أن أمشي خلف فتاة بالعجلة وأنا أدعوها للركوب خلفي. أن أقابل أحد أصدقائي صدفة لأقول له : هات لفة .أن أشتري عجلة أذهب لأحضر بها العيش لأمي حين تطلب مني ذلك ، وأذهب بها إلى طرشجي العلمين في شبرا لألحق بالإفطار في رمضان . أن أركنها في حوش البلوك في مساكن إيواء الشرابية التي نشأت فيها .حاولت كل ذلك ، ولم أستطع.
حلمت بأن أكون سباحاً ماهراً . أن أتعلم العوم ولو "كلابي" . أن أضغط على أنفي بسبابتي وإبهامي وأنا أتهيأ لآخذ غطساً أخرج بعده بفترة من مكان آخر خلف كل الذين ينتظرون خروجي، أو أظهر فجأة خلف حبيبتي لأقوم بتقبيلها قبل أن أختفي من جديد ، أو لا أخرج أبداً على سبيل الدعابة الثقيلة التي ستكون آخر دعاباتي.
حتى الصيد اكتفيت فيه بتأمل الصيادين رغم عشقي له، واكتفيت بعد كل ذلك بمقعد أتأمل فيه البحر من الخارج دون أن أجرؤ على نزوله، وأراقب منه الصيادين دون أن أقترب منهم ، وصار أفضل ما أستطيع تحقيقه ركوب المركب التي تعود دائماً ، رغم يقيني بأن أفضل المراكب هي تلك التي لا تعود.
تمنيت أن يكون أصدقائي ممن يستطيعون حجب الشمس عني حين البأس ، وسكب دموعهم من أجلي حين الحزن، والإمساك بيدي في اللحظة التي يشعرون فيها مجرد شعور بأنني قد أسقط ، لكنني اكتشفت أن صديقي الوحيد هو ذلك الذي أقابله في المرآة بين الحين والآخر.
كنت ملاذاً لزميلاتي في الجامعة يحكين لي عما يضايقهن أو يؤرقهن ، ويتركن عندي أحزانهن قبل أن يعدن إلى حياتهم بمنتهى السعادة لأبقى أنا في منتهى الكآبة والحزن ، ومع ذلك لم أستطع أبداً أن أقول لإحداهن لا تحك لي شيئاً ، ولم أجرؤ على أن أقول : وانا مالي.كنت أعطيهم الأمل ويعطونني اليأس. أبكي من أجلهن ولا يضحكن أبداً لفرحي أو سعادتي . أوقن أنني حياتهن ويعرفون أنهن موتي ، ولكنك دائماً أبداً لا تستطيع التراجع مهما فعلت.
تسألني عن أكثر أشيائي ندماً أجيبك يوم أجبرت فتاة تحبني أن تعترف لي بحبها رغم يقيني أنني لا أبادلها نفس المشاعر. طعنتها حتى أتأكد من شعورها تجاهي دون أن أدري أنني أذبحها بسكين بارد وأنا أقول لها أنني أعشق أخرى وأنها يجب أن تحترم ذلك في لأنها لو كانت مكانها كانت لتفرح بما أفعله الآن . ترتعش ابتسامتها كثيراً وهي تقول لي : عندك حق، قبل أن تختفي ابتسامتها إلى الأبد وتنسحب ببطئ من الحياة مفضلة ألا يعرف أحد عنها شيئاً ، وألا تسأل مجرد سؤال عن أصدقاء الماضي الذين طعنها أحدهم الذي هو أنا.
أنا الذي لا أعرف ماذا أريد، ولا أستطيع التخطيط لساعتين قادمتين، وإذا سألتني عما أريد أكله سأقول لك : أي حاجة، وإذا خيرتني بين الذهاب إلى مكان أو اختيار آخر سأرد : ما تفرقش. أمشي كثيراً بلا هدف . أختار الطرق الواسعة المليئة بالناس ورغم ذلك أشعر بالوحدة . أتأخر حتى الفجر لأعود وأستلقى على سريري باحثاً عن نوم عميق فيصيبني الأرق وأشعر أنني دائماً في حاجة للنوم أو الانسحاب أو أخذ هدنة مع الحياة أو أجازة من نفسي ولكنني أبداً لا أستطيع.
أواجه دائماً مشكلة في اختيار ما أرتديه ، وأشعر دائماً أنه لا يليق ، وأن اختياراتي لا تعجبني ، وأن القادم أسوأ مهما بدا العكس، وأتخذ قراراً بين الحين والآخر بالتقليل من وزني لعلي أرضى ولو عن شكلي الخارجي ، لأفاجأ دائماً بأنني لا أستطيع ، وأنني أخرج من هذه التجربة بكيلو جرامات جديدة من الدهون والأحزان والوساوس والأمنيات الميتة التي دهستها أقدام الآخرين.
أشتري كل الكتب التي أحبها رغم يقيني بأنني لن أقرأها ، وأنسى في لحظة ما جلست من أجله أياماً لقراءته أو فهمه أو حتى قتل الوقت معه. يخبرونني عن كتب أنهيتها للتو فلا أتذكر منها سوى فكرتها ، وأنسى كل التفاصيل أياً كانت. يقولون أن الشيطان يكمن في التفاصيل وأقول أن الشيطان لا يكمن أبداً.. على العكس.. هو ظاهر أمامك دائماً، وفي الأغلب تختار اللعب معه أو مصادقته رغم ادعاءك بكرهه أو مخاصمته، ولو جئت للحق.. الشيطان ليس الشيطان ، بل الشيطان أنت.
سيجرحك من يحبونك، ولن يهمك إن كان بقصد أو بدون قصد لأن النزف لا يقتنع بسبب دون آخر بل هو مهيأ دائماً مهما كان السبب .
سترضى عن نفسك بنظرة واحدة إلى زوجتك التي تزوجتها عن قصة حب أثبتت أن النهايات يمكن أن تكون سعيدة ، لكن من قال أنك وصلت للنهاية بعد ؟
ستفرح وتشعر بالرضا وأنت تلعب مع ابنك الصغير الذي تريد أن تبتلع من أجله الوقت وتلغي الحواجز والحدود والمسافات وتلتهم التفاصيل التهاماً حتى تراه كبيراً جميلاً ناجحاً يحمل اسمك وفعلك وسرك ولا يعاني من اضطراباتك أو من عذاب تفكيرك بعقلك المحترق وقلبك الضال .
ستمتلك قناعة غريبة بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك رغم أنك تريد دائماً أن تكون أنت الفعل ولست رد الفعل، وتعرف أن رضاك هو الشئ الوحيد الذي سيجعلك تحيا مستمتعاً بآلامك على كثرتها وأحزانك على اختلافها وأحلامك على أشد ما تستنزفه من رصيدك في الأمل الذي لا تستطيع إليه سبيلاً إلا في أيام معدودات .
أن تكون أنا معناه ألا تعترف أبداً سوى بما تفعله ، وليس كل ما نفعله صواباً بل الصواب هو ما نفعله معتقدين أنه الصواب . ستدخل في التجربة تلو الأخرى لا لشئ إلا لدخول التجربة. لن تتعلم من أخطائك أبداً لا لشئ إلا لأنك ألفتها فصارت جزءاً منك لا تريد أن تقتلعه من جذوره. سيؤرقك ضميرك كثيراً ، وستقنع نفسك بالمقولة البلهاء " مفيش حد بيتعلم ببلاش" ، وستردد " الضربة اللي ما تموتنيش تقويني" ، لكنك تعرف أنك كاذب ، وأنك لا تريد أن تتعلم أبداً ، وأن الضريبة دائماً تكون باهظة ، والأثر يطبع بصماته في روحك إلى الأبد، وأنت مستمتع بعذابك طالما لا يتعداك للآخرين.
ستشعر كثيراً أنك في حاجة لمدفع بازوكا تبيد به كل من تكره . أنت تؤكد دائماً للآخرين أن قلبك مليئاً بالحب وأنك لا تكره أحداً على وجه الأرض في اتفاقية غير معلنة يكتفون هم بابتسامة بلهاء بعدها رغم علمهم بأنك أفاق وتسعد أنت لشعورك بمحبتهم رغم اعترافك فيما بينك وبين نفسك أنها زائفة. لو أعطيتني المدفع الآن سأخبرك عن معنى الكره. سأقتل كل لحظة حزن في تاريخي ، وأمحو كل وجه هاجمني في حلمي أو تسبب في دموعي ، وسأطهر العالم من سائقي الميكروباص وضباط الشرطة وأطفال الشوارع والكلاب الضالة والمتسولين وعساكر الأمن المركزي ومفتشي مترو الأنفاق والحكومة والإخوان المسلمين وسائقي التوك توك والنقل في عزبة النخل والمعارضين والحزب الوطني وشعراء النثر وعدد كبير من السلفيين والغامضين والساعات المملة التي تشير دائماً إلى اقتراب الموعد أو انتهائه أو زواله، والقطط التي تموء في المساء والسباك الذي تسبب في نزول قطرات المياه ببطئ وأنت تبحث عن لحظة نوم تسترخي فيها من عناء نفيك الدائم في نفسك.
أعطني المدفع وسأقتل كل القضاة الذين سيحاكموني وكل السجون التي قد يضعونني بها وكل من قد ينتقمون مني لسبب لا أعرفه .
أعطني المدفع وخلصني من عذاب الحلال والحرام وأحضر لي تأشيرة من الله بأن كل ما سأفعله لن أحاسب عليه ووقتها .. وقتها فقط..سأقتل نفسي، وستعرف معنى: أن تكون أنا

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،(الصورة في السوليدير - بيروت 2009).